العمارة هي وعاء الحضارة ، وهي تمثل بالخلاصة الهُوية الثقافية والمستوى الإبداعي والجمالي للإنسان .
استطاعت العمارة الإسلامية أن تنتقل من المضارب في البوادي إلى الأكواخ في القرى، ثم إلى المباني والأوابد في المدن، حاملة ملامح أصيلة، منسجمة مع متطلبات الإنسان ومع تقاليد وبيئته ،و تتميز الفنون الإسلامية بأن هناك وحدة عامة تجمعها بحيث يمكن أن تميز أي قطعة أنتجت في ظل الحضارة الإسلامية في أي قطر من أقطار العالم الإسلامي ، ولعل هذا سر من أسرار تفوق الحضارة الإسلامية وقدرتها الفنية على صبغ المنتجات الفنية في جميع الأقطار بصبغة واحدة .
هناك مجالان رئيسيان للتعرف على ماهية العمارة الاسلامية :
• المجال الأول معماري تاريخي وعاطفي ، يعتمد على ثلاثة محاور تنظيرية في تعريف الحضارة الاسلامية، الأول هو المحور الشكلي الذي يختزل العمارة الاسلامية في اشكالها الاكثر رواجاً كالأقواس والقباب والباحات الداخلية والأواوين والمشربيات والشادروانات، ويعطي لهذه الاشكال وظائف خصوصية إسلامية نجد مرتكزاتها في فكر اسلامي موحد الجذور والمظاهر والمآرب وفي مناخ ديني واجتماعي مشترك.
أما المحور الثاني فهو المحور الروحاني الصوفي الذي يرى في التاريخ المعماري الاسلامي انعكاساً مباشراً لنظريات تصوفية تعود لاعمال الصوفيين العظام من القرون الوسطى كابن العربي وجلال الدين الرومي دون اي إثبات تاريخي على أن الأفكار والمبادئ والإرهاصات الصوفية قد أثرت في شكل العمارة ومضمونها وزخرفها.
المحور البيئي هو المحور الثالث الذي يرى في الابداعات الاسلامية - الشعبية والريفية خصوصاً - ارتباطاً ببيئتها وردود فعل خلاقة لمعطيات هذه البيئة من حرارة زائدة وطقس جاف وندرة في الماء والخضرة، وعلى الرغم من أن السمة المناخية سائدة في غالبية مناطق العالم الاسلامي إلا أنها ليست مطلقة.
تتقاطع هذه المحاور الثلاثة لتعطي التعريف الاكثر رواجاً في الوقت الحاضر للعمارة الاسلامية الذي يركز على الاشكال المميزة للنماذج التاريخية وعلى البعد الروحاني الصوفي وعلى استجابة بيئية عضوية للمناخ الصحراوي الحار والجاف تحديداً.
• أما المجال الثاني فهو أكاديمي محايد يعتمد على البعدين التاريخي والجغرافي، فتاريخ العمارة الاسلامية يمتد ما بين القرن السابع وبداية القرن التاسع عشر الميلادي منذ ظهور الإسلام وحتى عصر الغزو الأوروبي لمعظم الأراضي الإسلامية وهيمنة الحضارة الغربية الحديثة على أوجه الإنتاج الفني والثقافي كافة بعد زوال الاستعمار في أواخر عصر التحرر الوطني..
أما البعد الجغرافي فيرى أن العمارة الاسلامية هي مجمل المباني والمنشآت التي تحفل بها مدن العالم الاسلامي ومناطقه بما فيها تلك التي شكلت يوماً ما جزءاً منه ثم انتزعتها حضارات أخرى كالأندلس وصقلية، أو تلك التي ضمت اليه اخيراً كتركيا والبوسنة مثلاً، أو تلك التي لم تكن مكوناً سياسياً في دار الإسلام حتى العصر الحديث ولكنها دارت في فلكه الثقافي أو التجاري قبل أن تصبح جزءاً منه مثل ماليزيا وجنوب الفلبين وبعض المناطق الصينية والافريقية جنوب الصحراء الكبرى .
وبدأ الإهتمام بالنتاج الثقافي ولا سيما المعماري للإسلام إبان ما دعي ( الصحوة الإسلامية) في ثمانينات القرن العشرين والتي أختلف مفهومها. وكان شوطها يمتد بين السطحية ودرجات العمق المختلفة، بما يناسب مستوي وعي الفرقاء، فهو من سطحيتها المتعلق بمعالجة الواجهات، إلي ما يتعلق بالفكر الإسلامي الموجه المتضمن للفكر والفلسفة الإسلامية.مع طرق جوهري للجانب الأخلاقي المتداخل مع الجانب الجمالي والنفعي للعمارة.
ويجدر الانتباه إلي أن عمارة المسلمين كانت نتاج لحاجاتهم البيئية والاجتماعية، ممتزجة مع الفكر الذي يحرك السجايا ويتطور مع الزمن بحسب المتغيرات، ولايرسي علي ثبوت، ولا يمكث في عالم المحنطات ويبقي قابعا في التاريخ. وهذا يشكل التباين بين مفهومي العمارة الإسلامية كفكر وفلسفة وعمارة المسلمين كنتاج وأشكال. أنكب بعض المستشرقين علي دراسة التراث الإسلامي عن كثب من خلال قراءة المدونات التي أسهبت بذكر المعالم وصفيا ومنها التواريخ وسير الملوك ووصف الرحالة . وقد توج ذلك بتحديد مواقع بعضها، ثم تلا ذلك مرحلة إسقاط الموصوفات علي الورق من خلال تفسير وتصنيف المعلومات وتجسيدها في مخططات، كما حدث مع الفرنسي جورج مارسيه (1876 ــ 1962) بما يخص الشام والمغرب العربي، والأنكليزي كريزويل (1879 ــ 1974) والألماني هرشفيلد والعراقي مصطفي جواد (1904 ــ 1969). ولاتزال تثار الشكوك حول مفهوم العمارة الإسلامية، ويطرح تساؤل فحواه هل للإسلام عمارة تخصه أو هي في حقيقتها تطور لطرز عمارات إقليمية، تمتد بجذورها في تراث تلك الثقافات ولاسيما ذات الباع الكبير منها في الشرق القديم.
وقد وردت عدة مصطلحات للدلالة علي عمارة الإسلام، حيث لم يكن مفهومها محدد المعالم، واختلف القوم حتي في تسميتها ومن هذه المصطلحات :
1 ــ العمارة الساراسينية : فقد أستعملها (لان بول Lane-Pooles ) ونجدها في كتابه (ملزمة الفنون السراسينية -Handbook of Sarascenic Art ) أو (الفن السراسيني في مصر) لعام، 1886. وينحدر هذا المصطلح من اليونانية القديمة واستعمله المؤرخ بطليموس محددا هوية العرب الأنباط الذين يقطنون منطقة البتراء. ثم استعمله الرومان للدلالة أهل البادية الذين يقطنون الجزيرة الفراتية. وهكذا تم تحديد ذلك بالعرب دون سواهم خلال الحقب البيزنطية وتوسع في الحروب الصليبية وشاع في القرن السابع عشر، وتوسع معناه ليشمل القراصنة في البحر المتوسط.و أطلق علي المسلمين عموما. ويعزي البعض أنها محرفة من (شرقيين) أو (شرسين) أو (قراصين)..الخ.ويذهب البعض إلي أنها مركبة وتعني (عبيد سارة) أو أولاد إسماعيل، وهو ابن السيدة هاجر،خادمة السيدة سارة، مستندين في ذلك علي مقتطف من (رسالة بولص الي أهل غلاطية).
2 ــ العمارة المحمدية.Mohammadan Architecture وقد شاع إستعمالها منذ أواسط القرن التاسع عشر، ووردت لدي (مارتين بريكس Martin S. Briggs) في كتابه (العمارة المحمدية في مصر وفلسطين) الذي كتبه العام 1882.
3 ــ العمارة العربية أو (عمارة العرب) Arab Architecture : بسبب ذلك التداخل بين الإسلام والعرب.وقد أستعمله المستشرقون، ومنهم (كوستاف لوبون الذي كتب (حضارة العرب) متضمن كل نتاجها ومنها المعماري. وقد أنتقد ذلك (لان بوليس وسبيرس وفيركوسون وكذلك ريفويرا)، لما يعنيه من تحديد صفة العروبة بمن سكن الجزيرة العربية وأطرافه، ومن نطق بها من المغرب حتي العراق، غير متضمن لعمارة الفرس والهنود والصينيين وغيرهم.
4 ــ العمارة الإسلامية أو المسلمانية ( Muslim- architecture -Islamic -Musulman). وتحكم في هذا المصطلح الجانب اللغوي الي حد ما. ويمكن أعتبار ذلك المفهوم هو الاقرب الي الصواب.ومن أوائل من كتب بهذا المصطلح بالفرنسية (م. صلاح الدين M. Saladin) في كتابه الذي أصدره عام 1907 تحت عنوان (ملزمة الفن الإسلامي Manuel d L art Musulman)، وقد عاضده في هذه التسمية ريفويرا Rivoira وكذلك سبيرس Spiers، مع تحفضهم علي مشاركة معماريين او عمال مهرة من النصاري العرب والأجانب في بعض المعالم المعمارية المنسوبة للحضارة الإسلامية.
5 ــ العمارة المورية (Moorish arch) الذي أطلقها الأسبان علي المغاربة، ثم حدث أن انتقلت لتدل علي المسلمين تحديدا وتوسعت حتي سمي بها مسلمي الفليبين وجزرالمحيط الهادي. وقد أنتقلت الطرز (المورية) الإسلامية الي أمريكا اللاتينية، وجزر المحيط الهادي خلال القرن السادس عشر الميلادي.
وقد بدأت العمارة الإسلامية ببناء المساجد والأربطة فالمدارس والمصليات والخوانق والأسبلة والتكايا وإذا أردنا أن نتتبع تطور العمارة الإسلامية وجدنا المسجد حجر الزاوية فيه.
المساجد
كان المسجد هو أهم الأبنية في عصور الإسلام والغاية الكبرى في التصميم المعماري المتقن ؛ فعندما يبنى مسجدا يحاول أن يجعل منه تحفة معمارية وزخرفية على قدر كبير من الجمال تشعر الانسان بالانبهار والسرور بسبب تناسق الأجزاء المعمارية مثل تناسق المئذنة مع القبة وتناسق المدخل مع المئذنة والقبة والنوافذ والزخارف الموجودة على الواجهات, ولذلك اهتم المسلمون بتصميمه، وأهم ما يتطلبه من عناصر تكوينه هو الصحن الذي يتسع لأكبر عدد من المصلين ويلي ذلك الميضأة.. وكان يحيط بالصحن المكشوف أروقة لحماية الناس والمصلين من حرارة الشمس وخاصة الرواق المُيمَّم شطر مكة المكرمة، فكان أكثر عمقاً من باقي الأروقة، وفى حائطه يوجد المحراب أو القبلة التي تتجه إلى الكعبة وعلى جانبها المنبر، وعلى مقربة منه مقعد المبلِّغ لتلاوة القرآن الكريم.
كما تحتل المآذن أهمية خاصة لبعض أجزاء التصميم مثل زوايا مكان العبادة من المسجد. والمعروف ان العناصر الزخرفية استمدت من الفنين الساسانى والبيزنطى ، اذ اقتبس المسلمون منها ما يلائم دينهم وذوقهم فقد استخدمت الاشكال الهندسية المربعة والمثلثة والمستديرة ، كما برزت العناصر البنائية فى السقوف والجدران واتخذ المسلمون من الخطوط العربية اداة لزخرفة المساجد ، وتعتبر "الارابيسك" من أهم العناصر الزخرفية المبهرة ، وهى زخرفة تبدأ كما تنتهى والوسط بها يعبر عن كل من البداية والنهاية وهذه العناصر الزخرفية لم يستطع الفنان الأوروبى ابتداعها لذلك وجدنا كل الفنانين الأوروبيين سواء صناع الزجاج والمعادن والمعماريين ينقلون هذه الزخرفة ويستخدمونها في أعمالهم الفنية .
وأختار المسلمون من القران الكريم والحديث الشريف نصوصا معينة ورقموها فى المساجد منقوشة بحرف بارز او مجوف ، أو مرسومة بالاصبغة الملونة او بماء الذهب ، وأثبتوها فى القباب وفوق المجاريب وعلى جوانب الجدران .
وبديهي وقد أصبح المسجد يؤدي خدمات ووظائف متعددة تختلف باختلاف الشعوب والبيئات أن تعدد الأساليب المعمارية في بناء المساجد وإن اتخذت جميعها مقومات العمارة الإسلامية وجوهرها فقد كانت معظم المساجد حتى القرن الرابع الهجري تحتوي على صحن مكشوف تحيط الأروقة من ثلاث جهات أو من جهتين على أن يكون أكبر الإيوانات هو رواق القبلة لأهميته ، كما احتوى كل مسجد على محراب أو أكثر ومنبر ومئذنة وفي كثير من الأحيان على ميضأة.
المآذن
المنارة أو الصومعة تمثل أحد أهم العناصر على الإطلاق في عمارة المسجد، فارتفاع المئذنة يخضع عادةً إلى التشكيل الخارجي للمسجد مع وجود التناغم في نسب التفاوت بينها وبين القبة وبين أبعاد وواجهات المسجد، مما يوحي للناظر التجانس المطلوب في وجوه فن العمارة بشكل عام.
ظهرت المآذن في العمارة الإسلامية لأول مرة في دمشق حين أذن بالصلاة من أبراج المعبد القديم الذي قام فيما بعد على أنقاضه المسجد الأموي. وكانت هذه الأبراج هي الأصل الذي بنيت على منواله المآذن الأولى في العمارة الإسلامية، ولا سيما في مصر والشام وبلاد المغرب. بنيت على منواله المآذن الأولى في العمارة الإسلامية، ولا سيما في مصر والشام وبلاد المغرب.
وكانت المآذن في العصر الإسلامي الأول مربعة القطاع حتى الشرفة الأولى، ثم تستمر كذلك مربعة أو على شكل ثمانيّ الأضلاع، ويلي ذلك شكل مثمَّن أو دائري وتنتهي بقبة صغيرة.
القبب
عرفت القبة في عمارة المسجد تحديداً في عهد الدولة الأموية، إذ لم يكن ذات المعرفة في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي أيام الخلافة الراشدة، وفي جميع الحقب التي تبعتها كانت القبة رمزاً وعنصراً أساسياً في عمارة المسجد.
أخذ الفن الإسلامي في بناء القباب عن الساسانيين والأقباط والبيزنطيين، وأقبلوا على استعمالها في الأضرحة حتى أطلقت جزءاً على الكل وصارت كلمة قبة اسماً للضريح كله، وقد انتشرت في العالم الإسلامي أنواع مختلفة من القباب، ولعل أجمل القباب الإسلامية هي الموجودة في مصر وسوريا ويرجع أقدمها إلى العصر الفاطمي.
وقد كانت القباب في العهد الأول حتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي صغيرة، واقتصر استعمالها لتغطية الأمكنة أمام المحراب، ثم انتشر استعمالها للأضرحة، واستعين في أول الأمر لهذا بعمل عقود زاوية لتيسير الانتقال من المربع إلى المثمن، ولما أن تعددت مثل هذه العقود وصغرت ونظمت في صفوف، نشأت الدلايات المقرنصة التي انتشر استعمالها في جميع القباب في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي.
العقـود المزخرفة والتثمينات :
عرفت العمارة الإسلامية أنواعاً مختلفة من العقود، وكان كل بلد يفضل بعض هذه العقود على البعض الآخر. ومن العقود التي استعملت في العمارة الإسلامية بوجه عام ما يأتي :
أولاً: عِقد على شكل حدوة الحصان، وهو عقد يرتفع مركزه عن رجلي العقد، ويتألف من قطاع دائري أكبر من نصف دائرة.
ثانياً: العقد المخموس، وهو يتألف من قوس ودائرتين وهو مدبب الشكل.
ثالثاً: العقد ذو الفصوص، استعمل خصوصاً في بلاد المغرب ويتألف من سلسلة عقود صغيرة.
رابعاً: العقد المزين باطنه بالمقرنصات، شاع استعماله في الأندلس ولا سيما قصر الحمراء وبلاد المغرب.
خامساً: العقد المدبب المرتفع، استعمل بكثرة في إيران ونجد منه أمثلة في مسجد الشام واستعمل أيضًا في مساجد مصر.
المقرنصات
المقرنص عنصر بنائي ذو مصادر وأصول إنشائية . وهيأة المقرنص تتكون من مجموعة من الحنايا المقببة التي يتدلى أو يستقر بعضُها فوق بعض بطبقات أو صفوف طنفية ، وعادة ما تكون متدرجة بشكل متناوب وتدعى تلك الصفوف "حطات" ، وابسُطها يبدأ بواحدة ثم بثلاث حنايا. ويمكن أن يكون ذلك باكورة استعماله ومبرر ظهوره في زوايا القباب المشادة فوق الحجرات المربعة، والتي تسمى "المثلثات الكروية Squinches " ،التي يراد منها تشكيل واسطة متدرجة لنقل العزوم إلى الحيطان الجانبية وليس إلى الركن القائم الذي ألغي وحلت محله تلك الحنايا التي يراد منها التهيئة للشكل المثمن الناشئ فوق الشكل المربع للحجرة ليحتضن تباعا قاعدة أو "رقبة" القبة المتوافق مع هيئتها الدائرية. والمثلثات الكروية هي كتل على شكل مثلثات قمتها في الأسفل وقاعدتها المقوسة والمطنفة إلى الأمام في الأعلى .
وتشير الدلائل الى إن عنصر المقرنص ينتمي إلى العَمارة الإسلامية. ويشهد على ذلك (جون د. هوك) في كتابه (العَمارة الإسلامية) حيث يقول (لم يرد عنصر المقرنص في أي طراز من طرز العَمارة في العالم المعروفة لحد اليوم ). ولكن وبالرغم من ذلك فلم يرد ذكر دراسة تفصيلية عنه في الكتابات الإسلامية من الفترة الأولى وربما بشيء مقتضب في مرحلة متأخرة ولاسيما فيما يخص الطرح التحليلي لكينونته .
وقد نجد من اقدم تلك التحاليل ما ورد من المستشرق (شارل بلان) في أواسط القرن التاسع عشر الذي قال( بأنها نشأت عن ضرورة إحداث الظلال بالوسائل الناتئة ) ، وهذا ما ينافي المنطق الذي يجعل منها عناصر معالجة معمارية في داخل البناء الذي لا يتوفر على ذلك الكم من الضياء لتبرير هذا المغزى، وهذا ما ذهب إليه المستشرق الفرنسي كوستاف لوبون عام 1880 في كتابه (حضارة العرب) حينما ذكرأن العرب كانوا يكرهون ما كان يحبه الإغريق من الأوجه الملس الموحدة الزوايا والأشكال القائمة فكانت رغبتُهم في ملء زوايا الجدر القائمة وفي وصل القباب المستديرة بما تقوم عليه من الرُداه المربعة وصلا غير محسوس ؛ ينشئون الكوات الصغيرة الناتئة المثلثة الكروية المسماة بالمتدليات لتدلي بعضها فوق بعض كخلايا النحل ، وقد استعملت المتدليات في صقلية منذ القرن العاشر والحادي عشر للميلاد وحول عرب الأندلس تجوفاتها الكروية إلى مواشير قائمة ذات وجوه مقعرة .
وهذا التحليل هو الأقرب إلى حقيقة المنطق المعماري والفني بالرغم من مجيئه في فترة مبكرة من تاريخ الكتابة عن عمارة المسلمين .
السبيـل:
للسبيل علامات في العمارة الإسلامية وخاصة في عمارة المسجد، إذ لا يكاد يخلو صحن جامع من الفوارة التي توحي بمنبع ومجرى الماء وهو يتدفق على جنبات الحوض، وقد اختلفت المسميات ونوعية الاستخدام تبعاً للمورثات والحضارات والبيئة، وبالغ المعماريون المسلمون في تشكيل الفوارة على اختلاف أشكالها فجاءت على شكل مبان تعلوها قباب مزينة بزخارف معمارية أو على شكل أحواض بأشكال هندسية مختلفة، ودائماً ما كان الماء في كل ذلك مثالاً ورمزاً للحياة والاستمرارية.
وأخيراً .....
إذا كانت العمارة هي السجل الذي يستقي منه تاريخ الأقدمين بما فيه من تقدم وازدهار ، أو تدهور وتخلف ، فإن العمارة الإسلامية , وخاصة الدينية منها قد سجلت لنا تاريخ الدول المتعاقبة و أعطتنا صورة صادقة عن منشئها ، ذلك أن العقيدة الإسلامية ، التي تغلغلت في نفوس معتنقيها لسماحتها ولملاءمتها لطبيعة النفس البشرية ولحرصها على الإسعاد في الدارين ، ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بعمارة المساجد التي يعمرها من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله سبحانه وتعالى .[img][/img]